خطبة الجمعة في 12/6/1430هـ
صفحة 1 من اصل 1
خطبة الجمعة في 12/6/1430هـ
قصة نوح عليه السلام 12/6/1430هـ
الخطبة الأولى
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والحمد لله مغيث المستغيثين ومجيب المضطرين ومسبغ النعمة على العباد أجمعين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا إله إلا الله الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين المؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، هذه قصة من محاسن القصص وأجلها، قصة التوحيد والدعوة إليه، قصة الصبر والابتلاء، قصة الصدق واليقين. إنها من جلائل القصص القرآني المجيد، فيها عظة للمتعظ، وبصيرة للمتبصر، وسلوة للشاكي المضجر، فيها الدعوة بسائر أشكالها، والصبر بكل صنوفه، والتضحية بكل ألوانها.
إنها قصة ذاك النبي المجاهد والصابر والداعية المناضل الذي أشرقت على صدره شمس التوحيد واليقين ، فخرج داعيةً إلى الله عز وجل ، يهدّ حصون المشركين ، لا يخاف إنكار حاقد ولا بطش عدو راصد . بدّد صبرُه بلاء المشقات، وهدَّت تضحيته ستر البلاءات، وقهر يقينه ألوان الرزايا والتحديات ، لم يكن داعية اسمًا ، بل كان صدقًا وعملاً ، إذ عرف الدعوة روحًا ومعنى ، وتذوقها حلوة ومرًا ، وأحبها حزنًا وسهلاً. إنها قصة نوح عليه السلام ،
قال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
مكث الداعية الكبير في قومه أحقابًا يقول: { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، دعا وألح في الدعوة، ووعظ فأبلغ الموعظة، وبشر فأحسن البشارة، وأنذر وشدد في النذارة. دعا نوح عليه السلام دعوة البصراء، وصبر صبر الجبال، فلقد أوذي لما دعا، وضُرب لما وعظ، وسُخِر منه لما كرّر، فما زاده ذلك إلا صبرًا وثباتًا وقوة وجهادًا.
قال تعالى: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}
صورة من الصبر والكفاح الدائب الذي لم ير نظيره ولم يسمع مثله، لقد استخدم شتى الوسائل ونوَّع الأساليب واحتمل المعاندة والاستكبار، قال تعالى: { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} . وفي رده هذا عليه السلام تلطّف وترفق بقومه في دعوتهم إلى الحق.
معاشر المسلمين، لقد كان مبعث نوح عليه السلام رحمةً للناس، فهو أول رسول إلى أهل الأرض، أرسله الله بعد حصول التبديل والتحريف، إذ انقلب الناس من عبادة الله وحده إلى عبادة الأصنام والأولياء والطواغيت، وعظمت الضلالة والكفر، واندثر الهدى والعلم، فكان نوح عليه السلام إشعاعة التوحيد في ظلمات الكفر والغي، وكان منبعَ الهداية في زمان السوء والظنون. أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام)، وفيه قال عند تفسير قوله تعالى: { وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} ، قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا فيها أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسخ العلم عبدت).
أيها الإخوة الكرام، تطاول الزمان، واتسعت المجادلة، وتعاظم الكفر والعناد، فلم يؤمن بنوح عليه السلام في تلك المدة الطويلة إلا قليل، كما أخبر سبحانه: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} . بل كانوا يتواصون جيلاً بعد جيل بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته، وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل أوصاه أن لا يؤمن بنوح عليه السلام ما عاش أبدًا، فكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق، ولهذا قال: { وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} ، فمن ذا الداعية الذي يحتمل مثل هذا العناد والإعراض ويصبر؟! على مثل تلك الخلال والخصال قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} .
قال تعالى: { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ، عندئذ أدرك نوح عنادهم واستفحال الشر منهم وما هم عليه من الضلالة والجحود، فالتجأ إلى الله وهددهم وأنذرهم، قال تعالى: { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} . وأخبره سبحانه وتعالى بضلالتهم، وعزّاه فيما أصابه منهم، قال تعالى: { وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
ثم أمره تعالى بصناعة السفينة، وكان الأذى قد اشتد والسخرية تطورت والمكر تمادى وعظم، فدعا الله تعالى عليهم وسأله النجاة والسلامة، قال تعالى: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} ، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ} .
ولما فرغ نوح عليه السلام من صناعة السفينة أمره الله بركوبها وبحمل المؤمنين، وأن يحمل من كل زوجين اثنين، فكان الموعد لما جاء أمر الله، وتفجرت السماء والأرض بالماء الذي لم يُعهد من قبل، إذ أمطرت كأفواه القرب، ونبعت الأرض من جميع فجاجها وسائر أرجائها، فكان آيةً عظيمةً كما قال الله عز وجل: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}
. فكان الطوفان الذي أغرق من في الأرض جميعًا ولم ينج إلا المؤمنون، وكانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال، آية باهرةً من الله، محفوظة بحراسة الله ورعايته. قال تعالى: { إِنَّا لَمَّا طَغَا المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَارِيَةِ} أي: السفينة، { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} وقال تعالى: { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} فأنجى الله عباده المؤمنين، وأهلك الكافرين، وأغرق الآخرين، والحمد لله رب العالمين.
أيها الإخوة الكرام، هذا ملخص قصة نوح عليه السلام، وهي مذكورة في سور عديدة، بل أنزل الله سورة كاملة تصف حاله ودعوته وتكذيب قومه له.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وأياكم بما فيه من الايات الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين
الخطبة الثانية
الحمدُ لله مُجزِل العطايا مسبِل النِّعَم، رافِع البلايا دافِع النِّقم، يعلَم الخفايا ويرى ما في الظُّلم، أحمده تعالى وأشكره خَلقَنا من العدَم وأمدَّنا بالنّعم، هدانا للإسلام؛ فللّه الحمد مِن قبلُ ومِن بعد، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى آتاه اليقين، صلى الله عليه وسلّم، وعلى آله وصحبِه ومن سار على نهجِه الأقوَم.
أيها الناس، لقد حوت قصة نوح عليه السلام من الفوائد عجبًا، ومن العبر دررًا، ومن العظات حسنًا وجمالاً، لن تغيب عبرها عن داعية صادق، ولا عظاتُها عن مربٍ نابه، ولا أسرارها عن ناصح صابر، فمن أشهر فوائدها ودروسها وعبرها:
أولاً: العمر الطويل الذي مكثه والصبر الجميل من نوح عليه السلام، لقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا
ثانيًا: الإيمان الصادق واليقين البالغ الذي حمله نوح عليه السلام تجاه أراجيف قومه وإغراءاتهم،
ثالثًا: سلاح الطريق وهو الصبر العتيد الذي تحصن به هذا الداعية الفذ أمام إعراض المكذبين وكيد الظالمين وعداوة المنحرفين، وتنويهًا بصبر نوح عليه السلام أرشد الله تعالى نبينا محمّدا إلى ذلك فقال تعالى: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ} . ونوح عليه السلام أول أولي العزم، وأطولهم دعوة وجهادًا، وأول رسول إلى أهل الأرض.
رابعًا: استشعار أهمية الدعوة وفضلها، وما فيها من الأجر العظيم والنعيم المقيم، فإن نوحًا عليه السلام لم يكن ليرهق نفسه لو لم يكن في الدعوة الأجور الوافرة والذخائر الباقية،
خامسًا: سمت القصة بالهمة العالية لدى نوح عليه السلام والتضحية البالغة والإصرار التام،
ورحـتَ من سفرٍ مضنٍ إلَى سفـرٍ أضنى لأنَّ طريـقَ الراحة التعـبُ
لـكنْ أنا راحل في غير مـا سفـرٍ رحلي دمي وطريق الْجمر والحطبُ
إذا امتطيـت ركـابًا للنوى فأنـا فِي داخلي أمتطي نـاري وأغتربُ
لـكنْ أنا راحل في غير مـا سفـرٍ رحلي دمي وطريق الْجمر والحطبُ
إذا امتطيـت ركـابًا للنوى فأنـا فِي داخلي أمتطي نـاري وأغتربُ
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقد أمرنا الله بذلك { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذريته ورض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، المهاجرين منهم والأنصار وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين. برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أبو علي- عدد المساهمات : 399
تاريخ التسجيل : 28/04/2008
مواضيع مماثلة
» خطبة الجمعة في 19/6/1430هـ
» خطبة الجمعة في 20/ 5/ 1430هـ
» خطبة الجمعة في 27/ 5/ 1430هـ
» خطبة الجمعة 5/6/1430هـ
» الجمعة أول أيام شهر محرم
» خطبة الجمعة في 20/ 5/ 1430هـ
» خطبة الجمعة في 27/ 5/ 1430هـ
» خطبة الجمعة 5/6/1430هـ
» الجمعة أول أيام شهر محرم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى