قبيلة ال عبدالحميد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأربعون سنة ومابعدها

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

الأربعون سنة ومابعدها Empty الأربعون سنة ومابعدها

مُساهمة من طرف راعي سيحان السبت مارس 14, 2009 9:16 am

حين بلغ الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي الأربعين من عمره كتب يقول: "الآن وصلت إلى قمة هرم الحياة، وبدأت أنحدر في جانبه الآخر، ولا أعلم هل أستطيع أن أهبط بهدوء وسكون حتى أصل إلى السفح بسلام، أو أعثر في طريقي عثرة تهوي بي إلى المصرع الأخير هوياً". ثم قال بعد أن ذكر جانباً مما كان يؤمله ويرجوه في عهد الصبا : " أما اليوم - وقد بدأت أنحدر من قمة الحياة إلى جانبها الآخر- فقد احتجب عني كل شيء، ولم يبق بين يدي مما أفكر فيه إلا أن أعد عدتي لتلك الساعة الرهيبة التي أنحدر فيها إلى قبري" (1).

ربما كانت هذه الكلمات - التي خطها المنفلوطي قبل موته بسنوات قليلة - أثراً من آثار ثقافته الأزهرية ونشأته الدينية؛ إذ لا شك أن من يعلم أن معترك منايا هذه الأمة دائر بين الستين والسبعين، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك" (2)، أقول لا شك أن من يعلم ذلك لابد أن يعرف أنه بحسبة يسيرة تكون الأربعون هي بداية النهاية بالنسبة له. إن الأربعين هي سن الكمال البشري، ففيها يبلغ الإنسان غاية نضجه ورشده وتكتمل قواه العقلية وطاقاته الذهنية، ولأجل ذلك كانت هي السن التي يرسل الله فيها رسله وأنبياءه، ومَن بعث منهم قبل الأربعين فهو استثناء من الأصل - إن صح بذلك خبر - فقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى أنه لم يثبت أن الله بعث نبياً قبل سن الأربعين، ثم قال: "وأما ما يذكر عن المسيح أنه رفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة، فهذا لا يعرف له أثر متصل يجب المصير إليه" (3). ولما كانت الأربعون هي سن الكمال، كان لابد أن يعقبها بداية النقص ثم الانهيار؛ فقد اقتضت مشيئة الله تعالى في خلقه أنه ما تم شيء إلا شرع في النقصان، كما قال أبو البقاء :

لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغرّ بطيب العيش إنسان

أو كما قال الآخر :

إذا تم شيء بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم

إن دورة حياة الإنسان هي أشبه بمنحنى، مما يسميه علم الإحصاء المعاصر بمنحنى التوزيع المعتاد، الذي يبدأ من الصفر، ويظل في ازدياد حتى يبلغ نهايته العظمى؛ ثم يبدأ الانحدار في الجهة المقابلة حتى ينتهي إلى مثل ما بدأ به، والأربعون هي النقطة التي يبلغ عندها منحنى العمر نهايته العظمى قبل أن يشرع في الانحدار؛ قال ابن الجوزي رحمه الله: " إذا بلغ - أي الإنسان - الأربعين انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن:

كأن الفتى يرقى من العمر سُلّماً إلى أن يجوز الأربعين وينحطا " (4).

وفي القرآن الحكيم ما يؤكد أن بلوغ الأربعين لا بد أن ينبه الإنسان إلى خطورة موقفه وقرب نهايته، كما قال تعالى: ((حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين)) [الأحقاف : 15]. والآية الكريمة تشير إلى أن بلوغ الأربعين علامة فارقة في حياة الإنسان، تجعله يقبل على ربه طالباً الإعانة على الشكر والعمل الصالح، ويجدد التوبة إلى الله، وهي أمور مطلوبة في كل حين، ولكنّ تمام الأربعين يعطيها من الوجوب والاهتمام فوق ما كان لها من ذي قبل، قال ابن كثير : " وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها " (5)، وذلك أن أبناء الأربعين "زرع قد دنا حصاده " كما نقل عن وهب بن منبه رحمه الله(6)، وسئل مسروق : متى يؤخذ المرء بذنوبه؟ فقال : " إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك " (7)، وقال ابن الجوزي : " فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه ويأخذ في الاستعداد للرحيل؛ وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير " (Cool. ويقول الأطباء إنه ببداية العقد الخامس في حياة الإنسان أي ببلوغه الأربعين تبدأ الآلات في الضعف، وتقل قدرة الجسم على مقاومة الأمراض، وتبدأ قائمة التنبيهات والممنوعات: لا تسرف في الطعام، حذار من السكر، إياك والأطعمة الغنية بالكوليسترول، تجنب الانفعال لئلا تصاب بارتفاع في ضغط الدم، تجنب تجنب... إلى آخر تلك التحذيرات التي لا تنتهي. وإذا كان مسروق رحمه الله قد نبّه مَن بلغ الأربعين إلى وجوب توخي الحذر في أعماله، فإن الأطباء يقولون أيضاً إنه لابد لمن بلغ الأربعين من وقفة مع النفس للمراجعة والحساب، وإنه إذا كان الجسم قبل سن الأربعين يمكنه تحمل بعض العادات الصحية السيئة كالتدخين والإفراط في الطعام أو الإكثار من السهر، فإنه لا يمكنه بحال أن يتحمل كل تلك التجاوزات بعد سن الأربعين.

وقد قال لي ذات يوم طبيب : إن المرء إذا بلغ الأربعين فإن عليه أن يجري لنفسه فحصاً شاملاً لجميع بدنه؛ لأن هذه هي السن التي يبدأ فيها الجسد البشري في النقص، وتضعف قدرته على مقاومة الأمراض.

ومصداق ذلك في كتاب الله عز و جل : ((الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)) [الروم : 54] وببلوغ الأربعين يبدأ الشيب في غزو شعر الإنسان، دلالة على تقدمه في السن، وإشارة إلى أنه قد ودَّع عهد الصبا والشباب، فإن ما كان من الشيب قبل الأربعين فهو يكون في الغالب حالة مرضية أو شيئاً وراثياً أو نحو ذلك، أما بعد الأربعين فإنه الأمر الطبيعي الذي قد يتأخر عند البعض زمناً ما لكنه لا محالة آت، وكأنما هو النذير ينذره بقرب دنو الأجل وانتهاء الحياة، وقد فُسر النذير في قوله تعالى : ((أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير)) [فاطر : 37] بأنه الشيب، جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة وأبي جعفر الباقر وغيرهم(9). وحري بمن جاءه النذير من نفسه أن لا يظل أسيراً لشهواته، وأن يرجع إلى ربه تائباً منيباً:

قال الشباب: لعلنا في شيبنا ندع الذنوبَ، فما يقول الأشيب

وبعد : فقد يعجب قارئ هذه السطور إذا علم أني حين خططتها لم يكن قصدي من ورائها تنبيه عامة المسلمين إلى أهمية اغتنام الأوقات في الأعمال الصالحات، فإنّ هذا وإن كان مطلوباً بلا جدال، إلا أنه ليس مقصدي الرئيس من هذه الكلمات، وإنما قصدت هنا أن أذكر نفسي وإخواني من طلبة العلم والدعاة إلى الله بأهمية الاتعاظ بمرور السنين والأعوام، والاستفادة من الأعمار في ما يفيد، وعدم تضييعها في القيل والقال ومقارعة الأقران، وكثرة النقد والتجريح، وتصيد العثرات بدعوى الصدع بالحق وعدم كتمانه.

ولا شك أن بيان الحق من أوجب الواجبات، غير أنه لابد للمسلم أن يتأدب بأدب الإسلام في كل أحواله، فماذا يضير هذا الناقد أن يبين مخالفة المخالفين موضحاً قوله بالدليل، تاركاً الإسفاف والتجريح، وبخاصة إذا كان هذا النقد موجهاً لمن هم في الحقيقة من أولي العلم وأصحاب المعتقد الصحيح؟. ونحن نعلم أن كثيراً من علمائنا الأجلاء كابن حجر والنووي وغيرهما قد وقعوا في بعض مقالات أهل البدع في الصفات وغيرها، وطالب العلم إذا تبين له خطأ تلك المقولات لم يكن له أن يتابع فيها أولئك العلماء، لكن ليس له أن يحكم ببدعتهم أو ضلالهم، ففرقٌ بين من كان قائماً على بدعة جعلها همه وديدنه، ومن أخطأ من أهل الحق فقال في مسألة أو مسائل ببعض الأقوال المبتدعة؛ قال ابن أبي العز : "... وهذا أمر متيقن به في طوائف كثيرة، وأئمة في العلم والدين، وفيهم بعض مقالات الجهمية أو المرجئة أو القدرية أو الشيعة أو الخوارج، ولكن الأئمة في العلم والدين لا يكونون قائمين بجملة تلك البدع، بل بفرع منها، ولهذا انتحل أهل هذه الأهواء لطوائف من السلف المشاهير، فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضاً، ومن ممادح أهل العلم أنهم يُخَطّؤون ولا يكفرون " (10).

ألا إنه لا يليق بالمرء المسلم وخصوصاً من كان من أهل العلم والدين أن يشغل نفسه بعيوب الآخرين وينسى عيوب نفسه، ولا أن يظن في نفسه أنه قد امتلك الحق المطلق الذي ما بعده إلا الضلال. لقد انتشرت بين الدعاة في كثير من بلاد المسلمين أدواء وأدواء ليس أقلها تطاول بعضهم على بعض، وغياب الروح المنصفة في النقد والبيان؛ حتى صار خطاب بعضهم لبعض فيه من الخشونة والغلظة والجفوة ما لا نجده عند خطابهم لأهل الكفرين المحاربين لله ورسوله!! وإني لأظن أنه لو استشعر كثير من هؤلاء أن قطار العمر يجري بهم بلا رجعة، وأن اليوم الذي يمضي لا يعود، وأن من كان منهم في عمر الشباب يوشك أن يدخل إلى المرحلة الحرجة مع بداية أربعينياته، ومن كان منهم فوق ذلك فهو أولى باستشعار الخطر والخوف على نفسه من أن يحبط عمله من حيث يظن أنه يحسن صنعاً، هذا فضلاً عن ما هو معلوم بالبداهة من أن الموت يأتي بغتة، ((وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت)) [ لقمان : 34]، أقول: لو استشعر هؤلاء هذه المعاني فلربما صارت الحال غير الحال، ولربما ذهب عنا بعض ما نحن فيه من الهزيمة والانكسار؛ فإن الله تعالى يقول : ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)). [ الرعد :11] والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مقال اعجبني جزى الله صاحبه وناقله خير الجزاء
راعي سيحان
راعي سيحان

عدد المساهمات : 81
تاريخ التسجيل : 01/03/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأربعون سنة ومابعدها Empty رد: الأربعون سنة ومابعدها

مُساهمة من طرف أبو علي الأحد مارس 15, 2009 7:13 am

[img]الأربعون سنة ومابعدها 738178556[/img]
أبو علي
أبو علي

عدد المساهمات : 399
تاريخ التسجيل : 28/04/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأربعون سنة ومابعدها Empty رد: الأربعون سنة ومابعدها

مُساهمة من طرف راعي سيحان الأحد مارس 15, 2009 10:04 am

شكرا عزيزي على مرووووورك دائما
راعي سيحان
راعي سيحان

عدد المساهمات : 81
تاريخ التسجيل : 01/03/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأربعون سنة ومابعدها Empty رد: الأربعون سنة ومابعدها

مُساهمة من طرف ابو جمعان الخميس نوفمبر 25, 2010 4:30 am

مشكور علي مروووك يسلمووووووو
ابو جمعان
ابو جمعان

عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 21/10/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى